×
جهاز تفتيت الأخطار*

التأمين لا يمنع وقوع الخطر كما يعتقد البعض ممن ينظرون إلى التأمين بأنه مخالفة شرعية ويكتفون بعبارة "المؤمَّن هو الله" كلما عُرضت عليهم فكرة التأمين ولمثل هؤلاء يمكن توضيح صورة التامين بشكل مبسط يعكس مدى أهميته بالنسبة للفرد والمجتمع.

فمما لا شك فيه أن الجميع معرضون لوقوع الأخطار والخسائر بدرجات احتمالية متفاوتة، وأنه لا يمكن لأحد مهما بالغ في إجراءات السلامة والاحتياطات اللازمة أن يضمن عدم وقوع الخطر.

إذاً فاحتمالية حدوث الأخطار والخسائر واردة في أي لحظة ولأي شخص أو منشأة أو عمل، وهنا يظهر دور التامين كضرورة ملحَّة لتخفيف آثار الأخطار والخسائر وتفتيتها إلى وحدات صغيرة جداً لا تملك أي تأثير يذكر على المؤمن له أو المنشأة، وذلك من خلال توزيع آثار الخطر وحجم الخسائر على جميع المشتركين في التامين (عن طريق التعويض من صندوق أقساط التأمين) بطريقة تكافلية شرعية تمثل روح التعاون الذي يحث عليه الدين الحنيف.

وبالتالي فالتأمين ضرورة اجتماعية يجهلها الكثير من الأفراد والمؤسسات للأسف الشديد نتيجة انخفاض دور شركات التأمين في إيصال الفكرة الصحيحة التي يقوم عليها مبدأ التأمين إلى الأفراد والمجتمع وتوعيتهم بمدى أهمية التامين وفوائده.

ويعد الأفراد ورجال الأعمال الصاعدون والمؤسسات الناشئة أكثر من غيرهم حاجةً إلى التأمين فهم بحاجة إلى مضلة حماية تنمو تحتها مشاريعهم ويقوى عودهم بعيداً عن تهديدات الأخطار المتعددة ، وهذا على عكس ما  يعتقده البعض من أن المنشآت والمؤسسات الكبرى هي التي ينبغي عليها التامين لأن لديها القدرة على دفع أقساط التأمين بينما المؤسسات الناشئة بحاجة إلى توفير مبالغ أقساط التامين حتى تتمكن من الوقوف والاستقرار ، وهذا بالطبع تفكيرٌ خاطئ لأن المؤسسات الكبرى قد تستطيع الصمود أمام  خطرٍ ما بحكم مركزها المالي القوي،  بينما قد تنهار مؤسسات ناشئة عند تعرضها لخطر أو خسارة بسيطة نتيجة ضعف خبرتها وسوقها ومركزها المالي .

فمن ينظر إلى قسط التأمين على أنه يمثل عبء إضافي يجب التخلص منه، كمن يفكر في توفير قيمة القفل الذي يؤمن به متجره أو بيته دون وضع أي اعتبار لحجم الخسائر التي يمكن ان تحصل نتيجة تعرضه للنهب أو السرقة.

ومما يجدر الإشارة إليه هنا أنك كرجل أعمال أو صاحب مؤسسة من السهل عليك تفتيت قسط التأمين على كمية المنتج ضمن تكاليف وأعباء الإنتاج وبالتأكيد لن يكون له أي تأثير يذكر على زيادة الكلفة أو سعر المنتج، لكنك في المقابل تكون قد ضمنت تفتيت الأخطار المحتملة والتي لا قدر الله لو لم تكن قد قمت بالتامين ضدها، ربما يكون أحد هذه الأخطار هو الحدث الأخير الذي يلتهم المال والضمار (كما يقال) أو النقطة الأخيرة التي تتوقف عندها الكتابة.


صالح البرعي  ــ مدير فرع الحديدة